تشير الأدلة العلمية الحديثة بشكل متزايد إلى التأثير طويل الأمد للحمل على صحة المرأة، وبشكل خاص على صحة الثدي. فبينما يدرك الكثيرون أن الحمل يُحدث تغييرات هرمونية وفسيولوجية كبيرة، قد لا يُدرك البعض أن الخيارات الغذائية المتخذة خلال هذه المرحلة الحرجة قد تلعب دوراً مهماً في تحديد خطر الإصابة بأمراض الثدي في المستقبل، بما في ذلك الحالات الحميدة وسرطان الثدي، الدكتورة نادين عون اختصاصية تغذية طبية في مستشفى ميدكير، تتحدث عن هذا الموضوع الذي يهم جميع النساء.
دبي – لينا الحوراني
-
الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة
يمثل الحمل نافذة فريدة من نوعها، حيث يمكن لما يتم استهلاكه خلال هذه الفترة أن يُرسي الأساس لصحة نسيج الثدي مدى الحياة، حيث تشهد أنسجة الثدي تطوراً كبيراً خلال فترة الحمل، حيث تؤدي التغيرات الهرمونية إلى تحفيز نمو الخلايا وتمايزها، تمهيداً لعملية الإرضاع. ولا تقتصر أهمية هذا التحول على الاستعداد للرضاعة الطبيعية فحسب، بل قد يحمل أيضاً تأثيرات وقائية ضد بعض أمراض الثدي، وعن النظام الغذائي، في هذه الفترة، تقول د. نادين: "يلعب النظام الغذائي دوراً محورياً في دعم هذه التغيرات البيولوجية أو إعاقتها؛ إذ تُسهم الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية، مثل مضادات الأكسدة، والمركّبات المضادة للالتهاب، والأحماض الدهنية الأساسية، في تعزيز هذه الآليات الوقائية. في المقابل، قد تؤدي الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة، والسكريات المكرّرة، والأطعمة المُعالجة إلى زيادة الالتهابات، والإجهاد التأكسدي، وظهور تغيّرات خلوية غير طبيعية".
اكتشفي: أطعمة تساعدك على زيادة فرص الحمل
-
المركّبات الطبيعية
أحد أبرز ما توصلت إليه الأبحاث الحديثة هو العلاقة بين اتباع نظام غذائي غني بالألياف والنباتات خلال الحمل وانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي في مراحل لاحقة من الحياة. حيث تساعد الألياف على تنظيم مستويات الإستروجين في الجسم من خلال تعزيز طرحه عبر الجهاز الهضمي، إذ يُعد ارتفاع الإستروجين أحد عوامل الخطر المعروفة للإصابة بسرطان الثدي، كما تشير د. نادين إلى أن الفواكة والخضروات غنية بالفيتامينات مثل A وC وE، إلى جانب مركّبات نباتية طبيعية مثل الفلافونويدات والكاروتينويدات التي تمتلك خصائص مضادة للسرطان. وتُسهم هذه المركّبات الطبيعية في حماية خلايا الثدي من تلف الحمض النووي، ودعم وظائف الخلية السليمة خلال فترة النمو المكثف التي تشهدها أنسجة الثدي أثناء الحمل، تتابع قائلة:"كما تُعد الأحماض الدهنية أوميغا-3، والتي تتوافر بكثرة في الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، وكذلك في بذور الكتان والجوز، من المكونات الغذائية الأساسية المهمة خلال الحمل. فقد أظهرت الدراسات أن هذه الدهون تلعب دوراً فعالاً في تقليل الالتهابات، وقد تُسهم أيضاً في تثبيط نمو بعض الخلايا السرطانية".
-
أوميغا-3 وفيتامين د
تُشير الأبحاث إلى أن النساء اللواتي يتناولن كميات أعلى من أوميغا-3 خلال الحمل قد يقل لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي في مراحل لاحقة من حياتهن. كما تدعم هذه العناصر الغذائية أيضاً التطور العصبي للجنين، مما يجعلها ذات فائدة مزدوجة خلال فترة الحمل، ثم تلفت د. عون إلى جانب مهم آخر يجب أخذه في الاعتبار، إذا تقول: "هو دور فيتامين د، المعروف أيضاً بـ "فيتامين الشمس". فقد ارتبط نقص هذا الفيتامين بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. وتزداد حاجة الجسم إلى فيتامين د خلال فترة الحمل، نظراً لدوره المحوري في دعم وظيفة الجهاز المناعي وتنظيم نمو الخلايا.
ويمكن الحفاظ على مستويات كافية من هذا الفيتامين من خلال تناول أطعمة غنية به، مثل منتجات الألبان المدعّمة، والبيض، والأسماك الدهنية، أو من خلال المكملات الغذائية التي تُؤخذ تحت إشراف طبي. كما يُسهم التعرّض المنتظم والآمن لأشعة الشمس في تعزيز مستويات فيتامين د والحفاظ على توازنها الصحي".
اكتشفي: وصفات طبيعية للتسنين من مواد مطبخك
-
الأطعمة الكاملة قليلة المعالجة
على النقيض من ذلك، فإن الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة والفقيرة بالعناصر الغذائية المفيدة قد تُعرّض المرأة لخطر أعلى للإصابة بأمراض الثدي. تستدرك اختصاصية التغذية قائلة: "تشير بعض الدراسات إلى أن الإفراط في تناول الدهون الحيوانية واللحوم المُصنّعة خلال فترة الحمل قد يرتبط بارتفاع مستويات الإستروجين، وزيادة الالتهابات، وحدوث تغيرات في أنسجة الثدي لا تخدم صحتها على المدى الطويل. كما قد تُسهم هذه الأنظمة الغذائية في زيادة خطر إصابة الأم بالسمنة، والتي تُعد بدورها عاملاً معروفاً في ارتفاع احتمالات حدوث مضاعفات خلال الحمل، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض الثدي لاحقاً.
ورغم أن العوامل الوراثية تلعب دون شك دوراً في قابلية الإصابة بأمراض الثدي، إلا أن أنماط الحياة القابلة للتعديل — مثل النظام الغذائي — لا ينبغي التقليل من أهميتها. فالتغذية خلال الحمل لا تقتصر على دعم نمو الجنين، بل تمثل أيضاً شكلاً من أشكال الوقاية الصحية للأم".
ومن خلال التركيز على الأطعمة الكاملة قليلة المعالجة، والحفاظ على نظام غذائي متوازن، يمكن للمرأة تعزيز دفاعات جسمها الطبيعية ضد أمراض الثدي التي قد لا تظهر إلا بعد سنوات أو حتى عقود.
نصائح عملية لمريضات سرطان الثدي أثناء الحمل
تضمّن د. نادين عون، موضوعها رسائل التوعية الصحية وبروتوكولات الرعاية السابقة للولادة هذه المعارف المتنامية بشكل فعّال. وتلفت إلى أن الأطباء المتخصصون في التوليد، والقابلات، وأخصائيو التغذية في موقع مثالي لتثقيف النساء الحوامل حول الآثار طويلة الأمد لعاداتهن الغذائية — ليس فقط على صحة الجنين، بل أيضاً على صحتهن الشخصية على المدى البعيد، وتنصح بالآتي:
- تزودي بالمعلومات الكافية حول التأثيرات الوقائية للنظام الغذائي الصحي خلال الحمل، فهذا من شأنه أن يساعدك على اتخاذ قرارات أكثر وعياً، وقد يسهم في تقليل عبء أمراض الثدي على المستوى الفردي، وعلى أنظمة الرعاية الصحية على حد سواء.
- تابعي جميع الدراسات الواسعة النطاق وطويلة الأمد لتفهمي الآليات الدقيقة التي تؤثر بها النظام الغذائي للأم على إعادة تشكيل أنسجة الثدي ومخاطر الإصابة بالأمراض.
- ثقي بالأدلة الحالية فهي كافية لدعم التوجيه الغذائي الاستباقي خلال الحمل.
- اعلمي أنه في هذه المرحلة الحساسة، يكون الجسم أكثر استجابةً للمؤثرات الخارجية، وما يُغذّى به يمكن أن يُسهم إما في تعزيز مقاومته أو في زيادة قابليته للضعف.
- تأكدي أن النظام الغذائي خلال الحمل لا يُعد ضرورياً لنمو الجنين فحسب، بل يُمثّل أيضاً عاملاً محورياً في تحديد صحة الثدي لدى الأم على المدى الطويل.
- اتخذي خيارات غذائية مدروسة وواعية خلال هذه الفترة قد يُوفر حماية مستقبلية من أمراض الثدي. وهو ما يُشكّل مسؤولية وفرصة في آنٍ معاً لكل من الأطباء والنساء الحوامل، تنعكس آثارها الإيجابية على الصحة لسنوات طويلة بعد الولادة.



أضف تعليق