كتب كريستيان لوسكير اسمه بحروف من ذهب في سجل الـ"هوت غاسترونومي" أو الطهي الفرنسي الفاخر، وهو حاصل على ثلاثة نجوم من "دليل ميشلان"، الذي يعد التصنيف المرجعي في مجال الطهي الراقي. موهبته وفرادة أطباقه جعلت الصحافة المتخصّصة في الطبخ تطلق عليه لقب "مصمّم النكهات". وقد استقبل الـ"شيف" لوسكير "سيدتي" في مطعم "لوسانك" التابع لفندق "جورج الخامس" الباريسي الشهير، حيث دار حوار تحدث فيه عن رحلته المهنيّة، التي بدأت في مراهقته على باخرة عمّه الصياد، وانتهت له إلى أفخر فنادق "باريس".
حدثنا عن بداياتك... كيف دخلت عالم الطبخ الفرنسي الفاخر؟
ولدتُ في "بروتان"، بشمال غرب فرنسا، المنطقة التي لطالما اشتهرت بأطباقها البحريّة. وعندما كان عمري اثنتي عشر سنة، وكأي مراهق في مثل هذه السنّ، لم أكن أعرف ما سأفعله مستقبلًا، ولكن حدث حينذاك ما أثّر على حياتي. فقد أرسلتني والدتي لقضاء عطلة الصيف عند عمّي، الذي كان صيّادًا. وخلال إقامتي عنده، أخذني في رحلة بحرية مع الصيادين. وكانت هذه الرحلة محطة هامّة في حياتي، حيث اكتشف عالم الصياديّن، ولكنّي بدلًا من أن أقترب منهم وأتعلّم مهنة الصيد، جذب انتباهي طبّاخ الباخرة، الذي كان يقضي أوقاتًا طويلةً في تحضير الأطباق البحريّة اللذيذة. وكان الصيادون يأكلون في أجواء مرحة جدًّا. ومنذ تلك الرحلة، قرّرت دخول عالم الطبخ.
ما هي النقطة التي انطلقت منها بعد تلك الرحلة لتحقيق حلمك؟
دخلت مدرسة الفندقة، وعندما تخرّجت منها، اشتغلت لفترة في منطقة الـ"نورماندي". ثم قرّرت الذهاب إلى "باريس"، وبدأت العمل في مطاعم صغيرة، حيث تعلّمت منها الكثير من المهارات، إذ لم أكن أعرف الكثيرعن الطبخ الفرنسي. كنت شغوفًا جدًّا بالعمل، وعندما راكمت كمًّا لا بأس به من المهارات، التحقت بمطاعم باريسيّة فاخرة.
يصفك الكثيرون بـ"الفنّان" و"مصمّم النكهات"، هل يمكن أن تشرح لنا سرّ هذين اللقبين؟
أشبّه نفسي بالأنف الذي يصمّم ويبتكر العطور. ففي كل يوم، أعكف وفريقي على البحث عن نكهات جديدة، وذلك عن طريق تذوّق مكوّنات غير معروفة، من نباتات وخضراوات وفواكه، أو لم يسبق أن استعملناها من قبل. أتذوقها، ثمّ أطلب من فريقي تحضير طبق ندمج المكوّنات الجديدة فيه. وبعد اختباره، قد أضيف إليه مكوّنًا معيّنًا أو أحذف آخر، وذلك حتى الحصول إلى نتيجة مثاليّة حسب براعم التذوّق لديّ.
كيف تتأكد من أنك توصّلت إلى النتيجة المثاليّة؟
عندما يتسلّل إليّ، أثناء عملية تذوق الطبق، شعور لم أشعر به من قبل، شعور جديد وممتع! عندئذ، أعرف أنّي أنجزت عمليّة ابتكار، ونجحت في إنتاج نكهة جديدة. عمومًا، إن مرتادي مطعم "لوسانك" هدفهم ليس الأكل فقط، بل هم يأتون آملين في اكتشاف نكهة جديدة لم يتذوّقوها من قبل.
بعد أن حصلت على ثلاثة نجوم، وهي العلامة القصوى في "دليل ميشلان"، هل لا تزال دائم البحث عن نكهات جديدة؟
طبعًا. إنّ الحصول على نجوم "ميشلان" مسؤولية كبيرة تتطلب العمل دون هوادة للاحتفاظ بنفس المستوى من الطبخ الفاخر. المضمار الـ"هوت غاسترونومي" يشبه الـ"هوت كوتور" أو الخياطة الراقية، أي ينبغي أن نقدّم دومًا ما يعجب ويبهر الزبون. وفي حين يستخدم مصمّمو الأزياء الأقمشة الفاخرة، نحن نستعمل منتوجات فاخرة، من فواكه وخضراوات وأسماك ولحوم ممتازة النوعية.
من أين تحصلون على المنتجات الفاخرة؟
أتعامل مع المنتجين الصغار بشكل مباشر، ومن دون أي وسيط، وأركّز خياراتي على المنتجات الزراعية التقليديّة واللحوم والأسماك الطازجة والموسميّة. علمًا بأنّ المطاعم التي تحظى بثلاثة نجوم في تصنيف "ميشلان" لا تستعمل سوى المنتجات الموسميّة. ولذا، يمكننا القول بأن دورة الطبيعة تتحكّم في لائحة أطباقنا.
و من الجدير بالذكر أن مطعم "لوسانك" متوّج بثلاث نجوم "ميشلان"
ماهي نجمة "ميشلان"؟
تعبّر نجمة "ميشلان" عن الطبخ الراقي أو "الهوت غاسترونومي"، ويعود تاريخها إلى سنة 1900، حيث طرحت شركة "ميشلان" لإطارات السيّارات دليلها الأوّل دليل لتشجيع السفر البرّي. وفي سنة 1926، قامت "ميشلان" بإرسال مراجعين لزيارة المطاعم بغية التعرّف إلى نوع وجودة الأطباق، التي تقدّمها.
تراوح نجوم "ميشلان"، عند تقييم مطعم ما، بين نجمة وثلاثة نجوم. وتعني النجمة أن المكان جيّد، ويمكن التوقّف فيه لأنّه يقدّم أطباقًا ذات مستوى عال. أمّا النجمتان فتفيدان أن أطباق المطعم ممتازة وتقدّم بمهارة عالية. والعلامة القصوى، أي ثلاثة نجوم، تشير إلى أنّ أطباق المطعم استثنائيّة، وهي مُعدّة من مكوّنات فائقة الجودة، وتُقدّم بطريقة مميّزة للغاية.
أضف تعليق